سورة المجادلة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المجادلة)


        


{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)}
{استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان} أي غلب على عقولهم بوسوسته وتزيينه حتى اتبعوه فكان مستوليًا عليهم، وقال الراغب: الحوذ أن يتبع السائق حاذي البعير أي أدبار فخذيه فيعنف في سوقه يقال: حاذ الإبل يحوذها أي ساقها سوقًا عنيفًا، وقوله تعالى: {استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان} أي استقاهم مستوليًا عليهم، أو من قولهم: استحوذ العير على الأتان أي استولى على حاذيها أي جانبي ظهرها اه.
وصرح بعض الأجلة أن الحوذ في الأصل السوق والجمع، وفي القاموس تقييد السوق بالسريع ثم أطلق على الاستيلاء، ومثله الأحواذ والأحوذي، وهو كما قال الأصمعي: المشمر في الأمور القاهر لها الذي لا يشذ عنه منها شيء، ومنه قول عائشة في عمر رضي الله تعالى عنهما كان أحوذيًا نسيج وحده مأخوذ من ذلك، واستحوذ مما جاء على الأصل في عدم إعلاله على القياس إذ قياسه استحاذ بقلب الواو ألفًا كما سمع فيه قليلًا، وقرأ به هنا أبو عمرو فجاء مخالفًا للقياس كاستنوق. واستصوب وإن وافق الاستعمال المشهور فيه، ولذا لم يخل استعماله بالفصاحة، وفي استفعل هنا من المبالغة ما ليس في فعل {فأنساهم ذِكْرَ الله} في معنى لم يمكنهم من ذكره عز وجل بما زين لهم من الشهوات فهم لا يذكرونه أصلًا لا بقلوبهم ولا بألسنتهم {أولئك} الموصوفون بما ذكر من القبائح {حِزْبُ الشيطان} أي جنوده وأتباعه.
{أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشيطان هُمُ الخاسرون} أي الموصوفون بالخسران الذي لا غاية وراءه حيث فوّتوا على أنفسهم النعيم المقيم وأخذوا بدله العذاب الأليم، وفي تصدير الجملة بحرفي التنبيه والتحقيق وإظهار المتضايفين معًا في موقع الإضمار بأحد الوجهين، وتوسيط ضمير الفصل من فنون التأكيد ما لا يخفى.


{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20)}
{إِنَّ الذين يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ} استئناف مسوق لتعليل ما قبله من خسران حزب الشيطان عبر عنهم بالموصول ذمًا لهم بما في حيز الصلة وإشعارًا بعلة الحكم {أولئك} الموصوفون بما ذكر {فِى الاذلين} أي في جملة من هو أذل خلق الله عز وجل من الأولين والآخرين معدودون في عدادهم لأن ذلة أحد المتخاصمين على مقدار عزة الآخر وحيث كانت عزة الله عز وجل غير متناهية كانت ذلة من حادّة كذلك.


{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)}
{كتاب الله} استئناف وارد لتعليل كونهم في الأذلين أي أثبت في اللوح المحفوظ أو قضى وحكم، وعن قتادة قال: وأيًا مّا كان فهو جار مجرى القسم فلذا قال سبحانه: {لاَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى} أي بالحجة والسيف وما يجري مجراه أو بأحدهما، ويكفي في الغلبة بما عدا الحجة تحققها للرسل عليهم السلام في أزمنتهم غالبًا فقد أهلك سبحانه الكثير من أعدائهم بأنواع العذاب كقوم نوح. وقوم صالح. وقوم لوط. وغيرهم، والحرب بين نبينا صلى الله عليه وسلم وبين المشركين وإن كان سجالًا إلا أن العاقبة كانت له عليه الصلاة والسلام وكذا لأتباعهم بعدهم لكن إذا كان جهادهم لأعداء الدين على نحو جهاد الرسل لهم بأن يكون خالصًا لله عز وجل لا لطلب ملك وسلطنة وأغراض دنيوية فلا تكاد تجد مجاهدًا كذلك إلا منصورًا غالبًا، وخص بعضهم الغلبة بالحجة لاطرادها وهو خلاف الظاهر، ويبعده سبب النزول، فعن مقاتل لما فتح الله تعالى مكة للمؤمنين. والطائف. وخيبر وما حولها قالوا: نرجوا أن يظهرنا الله تعالى على فارس والروم فقال عبد الله بن أبيّ: أتظنون الروم. وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها، والله أنهم لأكثر عددًا وأشد بطشًا من أن تظنوا فيهم ذلك فنزلت {كَتَبَ الله لاَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى} {إِنَّ الله قَوِىٌّ} على نصر رسله {عَزِيزٌ} لا يغلب على مراده عز وجل.
وقرأ نافع. وابن عامر {وَرُسُلِى} بفتح الياء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8